سعيد ابراهيم
إصطدم الإنسان منذ ان بدأ يدب بإقدامه على الأرض بمشكلتين رئيسيتين المشكلة الاقتصادية من جهة ومراجعة البيئة الفيزيقية الصارمة من جهة أخرى فمضى وهو الكائن الأعزل إلا من بعض أحجار مشطوفة وقضى شطرا هائلا يفوق على 99 % من حياته التي بدأت منذ حوالى نصف مليون سنة وأكثر ، ظل فيها يجمع طعامه ويفتش في الأرض عما فيها من جذور وبذور فواجه الصعوبات القاسية حين حاول إستئناس الحيوان وإستنبات النبات ، وحين حاول أن يترقى حضاريا وإقتصاديا فانتقل من ثقافة الصيد والقنص ثم حاول أن يستقر في الأرض كى يشيد أول حضارة للزراعة وكى يبنى ثقافة القرية والعولمة أصبحت الشأن المسيطر على عالم اليوم والسمة البارزة لها العصر مع بداية الألفية الثالثة وهى تسعى لفرض الهيمنة الغربية على العالم في شتى المجالات تحت مظلة الولايات المتحدة الامريكية التي تتبنى النظام العالمى الجديد الآحادى القطبية بعد إنهيار الاتحاد السوفيتى والمعسكر الشرقى ، وهذا المصطلح يعرفه مختار الصحاح ب ( الخلق ) ويرتبط في قواميس اللغة العربية بالكرة الأرضية و ( الكوكب ) ومن ثم فالعولمة من مصدرفوعل و في اللغة العربية يستخدم لها البعض مصطلح ( الكوكبة ) أو( الكونية) والمصطلح في معناه هدفه ربط العالم وإدارته مركزيا بحيث يصل إلى ما يسمى بالقرية الكونية خاصة بعد ثورة التكنولوجيا والمعلومات التي ربطت كل العالم بوسائل الأتصالات المتنوعة واصبح من الممكن متابعة أى حدث بصورة مباشرة في أى مكان وفى اى زمن بالصوت والصورة مما يعنى توسيع الدائرة لتشمل كل العالم ولا بد هنا من التمييز بين المصطحات مصطلح العولمة والعالمية فمصطلح العالمية وهى مشتقة من كلمة ( العالمين ) في صيغة الجمع إلى تجمع أمم ودول في إطار تنظيم دولى يحقق أهدافا ومصالح مشتركة للبشرية فالعالمية هي طريق التعامل مع الآخر دون إقصاء أو تهميش مما يؤدى إلى الإنفتاح والتعارف والحوار والتفاعل والتعاون والتكامل ومن ثم فإن العالمية تؤكد على الإعتراف المتبادل بين الأمم والدول وخصوصيتها الثقافية والحضارية ؛ أما العولمة في تاريخنا المعاصر فهى مرتبطة بما اسماه الرئيس الأمريكي بوش الأب ( النظام العالمى الجديد ) بعد إنهيار الاتحاد السوفيتى وأحداث حرب الخليج الثانية عام 1990 مما ترتب عليه بروز القطبية الآحادية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية لتحل محل نظام القطبية الثنائية الذى ساد في العالم بعد الحرب الباردة ؛ فالعولمة هي آلية هذا النظام العالمى الجديد لتغيير الأوضاع الدولية بحيث يتحول العالم إلى كيان واحد من خلال الإنتقال من مرحلة الدولة القومية إلى الدولة العالمية أو العولمية بحيث تزال الحواجز بين الدول في شتى المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ويسود النموذج الأمريكي الذى يعمم على العالم ومن ثم فالعولمة تعنى في مجملها سيادة نظام واحد للحياة في شتى المجالات بحيث يشمل فكر واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة تفرض ففط على العالم بأثره بحيث تلغى الآخر من الحسبان ويتم ذلك من خلال إزالة الحواجز الجغرافية والسياسية بين الدول لتتيح حرية الحركة للسلع ورؤوس الأموال والخدمات وكذلك الأفكار والأشخاص والمنظمات ؛ العولمة إذٍ هي مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تركز على النمو ودور السوق على حساب دور الدولة . إنها بلوغ المنتهى في بعض المجالات التكنولوجية . وسياسيا تفضل العولمة الديمقراطية والشفافية رغم أن ذلك لا يتحقق في الغالب إلا على المستوى الرسمى والذى دفعها قدما المؤسسات الدولي والقوى الاقتصادية الكبرى وفى طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية , وهناك تحديات تواجه العولمة الجديدة تشبه الهجمات التي واجهت الفلسفة الإستعمارية من قبل ، أو التي واجهت لفسفة التحديث أو التي واجهت هيمنة الولايات المتحدة على أن المعارضة الجديدة تتركز حول تجارة العالم من البضائع والخدمات والثقافة .
فلم يرد فلاحو اليابان أن يفسد الأرز الامريكى الرخيص سوقهم المحلية ، وتحاول الحكومة الفرنسية الحيلولة دون زحف المفردات الإنجليزية إلى اللغة الفرنسية . وتكافح صناعة السينما الكورية في سبيل منع المد الهوليودى الدخيل على البلاد وبعض التحديات ذات طابع أكثر تنظيما تحدت حركة اتحاد العمال العديد من العناصر الرئيسية المكونة للعولمة كالتجارة الحركة وانتشار المؤسسات عبر الدولية أو رفع القيود الحكومية التي تساند الأعمال التجارية دون العمال ، تتشكل الإتحادات العمالية على مستوى أماكن العمل فضلا عن المستويات الوطنية والإقليمية والدولية وفى هذه الأثناء عارضت الحركة المناصرة للبيئة فكرة النمو غير المعرقل الراسخة في صميم العولمة فعارض الناشطون الخضر مشاريع إنشاء السدود وتجريد الغابات من أشجارها ومشاريع قطع أشجار الأخشاب والأطعمة المعدلة وراثيا فيما بين الاتحادات العمالية في جميع أنحاء العالم ومنظمات خضراء ذات انتشار عالمى على أن هذه العولمة قائمة على أساس من التعاون بدلا من التنافس ، وتركز بعض التحديات التي تواجه العولمة على حملات بعينها تكافح جماعة " خمسون عاما تكفى " ضد السياسات غير العادلة التي يعتبرها البنك الدولى . وثابرت حركة يوبيل 2000 على مدى طويل لإلغاء الديون الطاحنة التي ترهق كاهل العالم النامى المدين لصالح خزائن العالم المتقدم الدائن ، ومن ثم هناك التحديات الفكرية والفلسفية للعولمة ؛ نشر لفيف من المفكرين – من أمثال سوازن جورج ، وفاندانا شيفا ، وولدن بيلو ، ووليام جريدر ، ومارت كور ، وجني جراي – سلسلة من المقالات النقدية التي تدور حول العولمة في السنوات الأخيرة . ووقفت في وجه العولمة قيادات وجماعات جينية ، بدءا من البابا على رأس الكنيسة الكاثوليكية في روما وانتهاء بعلماء الدين المسلمين ، الذين تحدوا العولمة بوصفها قوة تعمل على تغليب الفكر المادي على السمو الروحى والروابط المؤسسية على الوشائج الأسرية وإحماء وطيس التنافس على حساب روح التعاون ؛ والآن بات بعض أنصار العولمة يشعرون بالقلق فها هو جورج سوروس الذى كسب الملايين من الدولارات من سياسة رفع القيود الحكومية في عالم المال ، بدأ ينتقد الآلية نفسها التي جعلت منه شخصا ثريا ؛ إن النظام العالمى الجديد يمثل تحديات عديدة على الدول النامية الغير آخذه بنظم الديمقراطية والتى تميل إلى النظم السلطوية المستبدة رافضة الشفافية فى الوطن العربى بل في القارة السمراء كلها الغنية ببؤر التوتر والصراعات ؛ وتتمثل هذه التحديات في تسخير الأمم المتحدة لخدمة أهداف هذا النظام وإزدواجية المعايير والسيطرة اليهودية وصراع الحضارات ومحاولة فرض حضارة واحدة على العالم وتحجيم مفهوم السيادة ودور الدولة القومية على أراضيها وتشيجيع نظام التكتلات الأقليمية الكبيرة مثل النافتا والأتحاد الأوروبى ؛ فتعمل العولمة على القفز فوق حدود الدول وترسيخ التبعية بصفة عامة والثقافية على وجه الخصوص وتسعى لتوظيف التقنية المتقدمة لتحقيق الاختراق الثقافي وفرض الهيمنة على الثقافات الأخرى وطمس هوية الشعوب ، ويعتبر العالم العربى هو المستهدف من العولمة بسبب امتلاكه لحضارة إنسانية متميزة تحمل كل مقومات القوة الإقناع والإنتشار بالرغم من محاولات التشوية التي لا تنقطع ؛ اننا في ظل العولمة أصبح عيشنا بين اليأس والرجاء .