د.فوزي يونس خفض كثافة الإنبعاثات ودورها في تعزيز التنمية المستدامة السبت 15 مارس 2025 -02:54 "خفض كثافة الإنبعاثات ودورها في تعزيز التنمية المستدامة" في ظل التحديات المناخية المتزايدة تتسارع الجهود الدولية نحو خفض كثافة انبعاثات الكربون والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. يأتي هذا في سياق التزامات الدول بتحقيق الحياد الكربوني حيث يشكل تقليل كثافة الانبعاثات هدفا مرحليا مهمًا يمكن قياسه بوضوح عبر القطاعات المختلفة. ومع حلول أكتوبر 2026 من المرجح سيكون تعزيز آليات أرصدة الكربون (Carbon Credits) ضرورة ملحة لضمان التحول العادل نحو نظم إنتاج واستهلاك مستدامة. فمصطلح "منخفض الكربون" (حيث يُشار بالكربون هنا إلى مكافئ ثاني أكسيد الكربون CO2e) يشير إلى مسارات اﻧﺑﻌﺎﺛﺎت غازات الدفيئة (GHG) (أو الغازات المسببة للاحتباس الحراري) العالمية التي تثبت تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي بمستويات يُعرف أنها ليست "تدخلاً بشريا خطيراً في النظام المناخي" وفقاً لما صدر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). في الوقت الحالي يزيد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عن 400 جزء في المليون من حيث الحجم وهذا الرقم في اتجاه نحو الزيادة. لذلك وبالنظر إلى هدف عدم ارتفاع درجة الحرارة العالمية أكثر من 2 درجة مئوية ينبغي ألا يتجاوز تركيز غازات الدفيئة أكثر من 450 جزء في المليون من مكافئ ثاني أكسيد الكربون (CO2e). فالمسار منخفض الكربون يتطلب ربطا وثيقا بين الماء والغذاء والطاقة باعتبارها عناصر متداخلة تؤثر بشكل مباشر على قدرة الدول على تحقيق أهداف التنمية المستدامة خاصة الهدف السابع (طاقة نظيفة وبأسعار معقولة) والهدف السادس (المياه النظيفة والصرف الصحي) والهدف الثاني (القضاء على الجوع) إضافة إلى الهدف الثالث عشر (العمل المناخي). فلماذا يعد خفض كثافة الانبعاثات هدف حيوي؟ تعد كثافة الانبعاثات مقياسا أساسيا لمقدار غازات الدفيئة المنبعثة لكل وحدة من الناتج الاقتصادي أو الإنتاج الصناعي. ولتحقيق تخفيضات ملموسة بحلول 2026 يمكن تبني استراتيجيات تشمل: 1. تحسين كفاءة الطاقة: تعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة في عمليات الإنتاج. تطبيق أنظمة إدارة الطاقة في المنشآت الصناعية والزراعية. 2. إدارة النفايات وتحويلها إلى طاقة: الاستفادة من الوقود المشتق من المخلفات كبديل نظيف. تحسين تقنيات إعادة التدوير وخفض الانبعاثات الناتجة عن مكبات النفايات. 3. تعزيز نظم الزراعة المستدامة: تقليل استخدام الأسمدة الكيميائية عالية الانبعاثات. تطبيق أنظمة الري الذكي وتحسين كفاءة استخدام المياه والطاقة في الزراعة. أرصدة الكربون بحلول أكتوبر 2026 كآلية لتحقيق توازن الانبعاثات تمثل أرصدة الكربون أداة مالية تتيح للشركات والدول تعويض انبعاثاتها من خلال الاستثمار في مشاريع تخزين الكربون أو خفض الانبعاثات. ويمكن تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال عبر: 1. توسيع أسواق الكربون الطوعية والتنظيمية: تشجيع الشركات على شراء أرصدة الكربون لدعم مشاريع مستدامة. تعزيز التعاون الإقليمي لإنشاء تحالفات للكربون مثل التحالف العربي الإفريقي للمانجروف. 2. استعادة النظم البيئية الطبيعية: الاستثمار في مشاريع إعادة تأهيل غابات المانجروف كمصارف طبيعية للكربون. دعم مشاريع التشجير واسعة النطاق في المناطق الصحراوية. 3. تطوير تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه: دعم الأبحاث في تقنيات التقاط الكربون من المنشآت الصناعية. دمج تقنيات احتجاز الكربون في مشاريع إنتاج الطاقة وتحلية المياه. الربط بين الماء والغذاء والطاقة كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة يعد تحقيق التوازن بين استهلاك الموارد الطبيعية وإنتاج الطاقة والغذاء عاملًا حاسما في تقليل كثافة الانبعاثات وتعزيز أرصدة الكربون ويمكن تحقيق هذا التكامل عبر: استخدام المياه المعالجة في الري، مما يقلل استهلاك المياه العذبة ويخفض الانبعاثات الناتجة عن الضخ. تعزيز تقنيات الزراعة الذكية مناخيًا مثل الزراعة المائية والزراعة الرأسية، لتقليل استهلاك المياه والطاقة. الاعتماد على الطاقة المتجددة في تحلية المياه مما يقلل انبعاثات قطاع المياه ويوفر مصادر جديدة للري. انعكاس خفض كثافة الانبعاثات وأرصدة الكربون على المنطقة العربية وإفريقيا: تواجه المنطقة العربية وإفريقيا تحديات بيئية واقتصادية متزايدة نتيجة لتغير المناخ والتصحر وتاثيراتهما علي التنوع البيولوجي حيث تعاني العديد من الدول من التصحر وشح المياه وانعدام الأمن الغذائي مما يجعل خفض كثافة الانبعاثات وتفعيل أرصدة الكربون ضرورة ملحة وليست مجرد التزام بيئي. فمن خلال تبني نهج متكامل يربط بين الماء والغذاء والطاقة يمكن للدول العربية والإفريقية تحقيق تقدم ملموس في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز قدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية وذلك من خلال التالي: أولا: انعكاسات خفض كثافة الانبعاثات على المنطقة العربية وإفريقيا تعد المنطقة العربية وإفريقيا من بين المناطق الأكثر تأثرا بتغير المناخ حيث تتجلى آثاره في تزايد موجات الجفاف الفيضانات وانخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية. لذلك فإن خفض كثافة الانبعاثات يحمل انعكاسات إيجابية مباشرة على عدة مستويات: 1. تعزيز الأمن المائي والغذائي * تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة عبر أنظمة الري الذكي واستخدام المياه المعالجة مما يقلل استهلاك المياه العذبة ويوفر إمدادات مستدامة للأراضي القاحلة. * تطوير الزراعة الذكية مناخيا مثل الزراعة المائية والزراعة الرأسية مما يحد من الانبعاثات المرتبطة بالقطاع الزراعي ويعزز الإنتاجية في المناطق القاحلة. * تقليل تآكل التربة والتصحر من خلال تقنيات الري المستدامة وزراعة النباتات المقاومة للجفاف. 2. دعم التحول إلى الطاقة الجديدة والمتجددة * تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري عبر التوسع في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مما يسهم في خفض الانبعاثات وتحقيق أمن الطاقة. * تعزيز استخدام الوقود البديل مما يقلل من الانبعاثات الناتجة عن حرق النفايات ويخلق فرصا اقتصادية جديدة في قطاع إدارة المخلفات. 3. تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية * فتبني سياسات خفض الانبعاثات سيجعل الدول العربية والإفريقية أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية خاصة مع توجه الأسواق العالمية نحو معايير الإنتاج منخفض الكربون. * توفير فرص عمل جديدة في قطاعات الاقتصاد الأخضر مثل الطاقة المتجددة وإدارة الكربون مما يعزز التنمية الاقتصادية المستدامة. ثانيا: انعكاسات تطوير أسواق أرصدة الكربون بحلول أكتوبر 2026 تمثل أرصدة الكربون فرصة كبيرة للدول العربية والإفريقية للاستفادة من التمويل المناخي وجذب الاستثمارات في مشاريع الاستدامة. وذلك من خلال تطوير برامج قوية لأرصدة الكربون يمكن تحقيق الفوائد التالية: 1. خلق مصادر تمويل جديدة للمشاريع البيئية * يمكن للدول العربية والإفريقية الاستفادة من بيع أرصدة الكربون في الأسواق العالمية لتمويل مشاريع زراعية مستدامة وتحلية المياه بالطاقة الشمسية وإعادة تأهيل الغابات. * توجيه العوائد نحو تحسين البنية التحتية البيئية وزيادة القدرة على التكيف مع آثار تغير المناخ. 2. تعزيز برامج استعادة الغابات والمراعي الطبيعية دعم التحالف العالمي للمانجروف الذي يسهم في امتصاص الكربون من الغلاف الجوي وتحقيق عوائد بيئية واقتصادية من خلال أسواق الكربون. إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة وزيادة الغطاء النباتي مما يقلل من التصحر ويعزز التنوع البيولوجي. 3. دعم تكامل أسواق الكربون بين الدول العربية والإفريقية * يمكن إنشاء سوق إقليمية لتبادل أرصدة الكربون بين الدول العربية والإفريقية وأخذت جمهورية مصر العربية هذه المبادرة قبل نهاية 2024 مما ينعكس علي تعزيز التعاون المناخي ويخلق فرصا استثمارية جديدة. * التكامل بين الدول الغنية بالموارد الطبيعية والدول الصناعية في المنطقة يمكن أن يسهم في خلق نظام عادل لتوزيع الفوائد البيئية والاقتصادية. ثالثا: دور الربط بين الماء والغذاء والطاقة في تحقيق التنمية المستدامة * تحقيق التكامل بين تحلية المياه والطاقة المتجددة يقلل الانبعاثات ويعزز الأمن المائي في الدول التي تعاني من ندرة المياه. * استخدام المخلفات الزراعية لإنتاج الطاقة الحيوية يسهم في خفض الانبعاثات وتعزيز الاقتصاد الدائري. * الاستثمار في تقنيات الري الذكي يقلل استهلاك المياه والطاقة في القطاع الزراعي مما يعزز الأمن الغذائي. ولكل ماسبق فإن تحقيق أهداف خفض كثافة الانبعاثات وتطوير آليات أرصدة الكربون بحلول أكتوبر 2026 يتطلب جهودا متكاملة وتتبني التربط بين الماء والغذاء والطاقة. وهذه المنهجية الشاملة ليست فقط وسيلة فعالة لتقليل التأثير البيئي بل تمثل أيضا خطوة استراتيجية نحو تحقيق التنمية المستدامة وضمان الأمن المناخي للأجيال القادمة. وعليه أن خفض كثافة الانبعاثات وتعزيز أرصدة الكربون ليس مجرد التزام بيئي بل يمثل فرصة حقيقية للدول العربية والإفريقية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وتعزيز قدرتها على الصمود أمام التغيرات المناخية. كما أنه من خلال التكامل بين الماء والغذاء والطاقة يمكن بناء نموذج تنموي شامل يستفيد من الموارد الطبيعية بطرق أكثر كفاءة ويدعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون وأهم مخرجاته تحقيق الأمن الغذائي محليا واقليميا كما إنه يعزز الاستقرار البيئي والاجتماعي في المنطقة. د. فوزي العيسوي يونس أستاذ ورئيس وحدة فسيولوجيا الأقلمة بمركز بحوث الصحراء - خبير العمل المناخي واستشاري البصمة الكربونية والاستدامة.