الناس ، جمع إنسان ؛ سمي به لأنه عهد إليه فنسي ، كما قال تعالى : "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " (أيه 115 سورة طه ) ، ولظهوره ؛ من قولهم : آنست أي أبصرت ، وقيل : لأنه يُستَأنسُ به . وباليوم الآخر : أي بيوم القيامة . قال تعالى : " وما هم بمؤمنين " أي يخالفون الله ، والشرُّ فى الناس فطرةٌ ، و الحكماء والفلاسفة على مر العصور ، وقفوا طويلا أمام تعريفٍ كاملٍ للشر ، وحكم العقل ، أن السرقة شر ، والكذب شر ، والجريمة شر ، ليس بالفعل ضرورةً ، بل إن فعل الشر هو أضعف أنواعه وإن جاز لنا تقسيمُه ، قال صاحب لسان العرب : الشر : السوء والفعل للرجل الشرير والمصدر : الشرارة ، والفعل شر يشر . وقوم أشرار : ضد الأخيار . ابن سيده : الشر ضد الخير ، وجمعه شرور ، والشر لغة فيه عن كراع . وقد شر يشر ويشر شرا وشرارة ، وحكى بعضهم شرُرت بضم عين الفعل . ورجل شرير ، وشرير من أشرار وشريرين ، وهو شر منك ، ولا يقال أشرُّ ؛ حذفوه لكثرة استعمالهم إياه ، وقد حكاه بعضهم ، ويقال : هو شرهم ، وهي شرهنَّ ولا يقال هو أشرهم ، ورجل شر وشرير متعاط للشر ، وقوم أشرار وقد أشرته ، نسبته إلى الشر ، وقيل أشررت كذا أظهرته ، واحتج بقول الشاعر :
إذا قيل أي الناس شر قبيلة *
أشرت كليب بالأكف الأصابع .
فإن لم يكن في هذا إلا هذا البيت ، فإنه يحتمل أنها نسبت الأصابع على الشر بالإشارة إليه ، فيكون من أشررته إذا نسبته إلى الشر ، والشر الضم ، خُصَّ بالمكروه ، وشرار النار ، ما تطاير منها ، وسميت بذلك لاعتقاد الشر فيه ؛ قال تعالى :" ترمي بشرر كالقصر ". ( المرسلات 32 ) ،
الخيانة شيء يسيء لقيمة الإنسان ودوره في الحياة ، وهى سبة في جبين مرتكبها والمحرض عليها ، و أشهر الخيانات كانت منذ 570 حتى وصلنا لعام 2020ميلادية ، تلك الخيانات أثرت على حركة دوران عجلة الحياة ، وبالتالي لعبت دورا كبيرا في مصائر جنس من الناس ، أساءوا إلى جنسهم ، بل أساءوا لكل ما له علاقة بالمجموع من البشر ، وتحالفوا مع شياطين الإنس ، وأصبحو تابعين لهم بل وقدوتهم بعد أن انعتقوا منهم في فترات من الزمن ، ولكنها النفس الإمارة بالسوء التي يتفردون بها وسط الخائنين أمثالهم ، أبو رغال ( قسي بن منبه بن النبيت بن يقدم ) وهو عربى أرشد أبرهه حينما عزم على هدم الكعبة ، يقع قبره في منطقة بين مكة والطائف ، يقذفه من يمر عليه بالحجارة ويصب عليه اللعنات ، حتى أصبحت تلك سنة فيما بعد ، سجلها الشعراء في قول " جرير :-
إذا مات الفرزدق فارجموه
كما ترمون قبر أبى رغال
ولقد هدد عمر بن الخطاب الشاعر الثقفى غيلان بن سلمة فقال له : " لئن لم ترجع عن مالك ، لأرجمن قبرك كما يرجم قبر أبى رغال " . والخيانة حاضرةٌ منذ العصر الجاهلى ، فهذا العصر كان غاصًّا بالمآثم والموبقات - عبادة أوثان ، أكل ميتة ، إتيان الفواحش ، قطع الأرحام ، الإساءة إلى الجار ، انتشار منطق البغي والقوة - كانت هذه الملامح بمثابة كتالوج حياة العصر الجاهلى – يقول عمرو بن كلثوم : -
بغاة ظالمين وما ظلمنا *
ولكنا سنبدأ ظالمينا .
وقد يمتد الظلم إلى أقرب الناس على طريقة : -
وأحيانا على بكر أخينا *
إذا ما لم نجد إلا أخانا .
وقد تسربت هذه المفاهيم المنبوذة إلى نفوس بعض المسلمين في غفلة من الزمن ، فنجد تميم بن مقبل يغضب غضبا شديدا ؛ لأن النجاشي الشاعر هجاه .. نعم هجاه وهجا قبيلته بقوله :
قبيلة لا يغدرون بذمة *
ولا يظلمون الناس حبة خردل
ولا يرون الماء إلا عشية *
إذا صدر الوراد عن كل منهل
تعاف الكلاب الضاريات لحومهم * عوف بن كعب بن نهشل
وما سمي العجلان إلا لقولهم *
واحلب أيها العجل وأعجل
ذكرنا فيما سبق أبا رغال - قسي بن منبه بن النبيت بن يقدم ، وقلنا آنفا : إنه هو الشخص العربي الذى أرشد أبرهة إلى مسلك الطريق إلى مكة مقابل المال ، حينما عزم أبرهة على هدم الكعبة ، ثم كانت نهاية أبرهة كما ذكرها القرآن الكريم في سورة الفيل ، كان ذلك وقد بقي معروفا بعام الفيل ، حتى إن المؤرخين أرخوا لميلاد سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقولهم : وُلِدَ - صلى الله عليه وسلم - في عام الفيل . أما قبر" أبى رغال " والواقع بين مكة والطائف يرميه - كما ذكرنا -المارة بالحجارة منذ ما قبل الإسلام وحتى يوم الناس هذا ، حينما يقصدون مكة المكرمة ، مثلما يرجم المسلمين الشيطان بالجمرات في موسم الحج ، ولقد مر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقبر أبي رغال فرجمه وأمر برجمه ؛ فأصبحت سنة .
أضِف إلى مجموع الخيانات السابقة ، خيانات يهود بني قريظة وبني النضير للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنهم هُزِمُوا شر هزيمة مع مشركي قريش .
رجل آخر كان في العصر العباسي في عام 1258 م يُدعَى : ابن العلقمي ، وهو وزير الخليفة العباسى المستعصم بالله ، حيث كان ابن العلقمي يراسل القائد المغولي هولاكو بالسر ، يطلب منه أن يحتل بغداد ،وأن يجعل له دورا في حكم العراق إذا سقطت بغداد ، ولكي تكون المهمة سهلة على هولاكو قام ابن العلقمي بتسريح تسعين ألفا من الجنود ، وأبقى على عشرة آلاف جندي لحماية بغداد ، وذلك بحجة تقليص النفقات ، وعندما مهد الأمور ، طلب من هولاكو أن يأتي إلى بغداد ، فوصل هولاكو عند أسوار بغداد ، ساعتها أشار ابن العلقمي على الخليفة أن يذهب بنفسه هو والأمراء وأعيان بغداد ، وأن يذهب حاملا الهدايا الثمينة إلى هولاكو ، مدعيا أن هذه الطريقة ربما جعلت هولاكو يتراجع عن احتلال بغداد ، وفعل الخليفة العباسي ما أشار به عليه ، ذهب بحاشيته المكونة من 700 فردا ، فقام هولاكو بقتل الجميع أمام الخليفة ، ثم قام بقتل الخليفة نفسه ، بينما كان ابن العلقمي ينظر منتظرا ما سوف يعود عليه من وعود هولاكو . سقطت الدولة العباسية ، وقام هولاكو بقتل قرابة الميلون فرد ، ودمر بغداد ، ولم يحصل ابن العلقمي على شيء من هولاكو ؛ فمات كمدا بعد فترة قصيرة .
الوزير في العهد الفاطمي في عام ( 564هجرية – 1169 ميلادية )الفاطمي "شاور" أثناء الصراع الطويل بين الدول الإسلامية وبين الصلبييين ، تحالفت قطاعات من الدولة الفاطمية مع الصلبيين ضد الجيوش الإسلامية التي قادها أسد الدين شيركوه ( 564 هجرية : 1169 م ) ، وصلاح الدين الأيوبى ( 532هجرية : 589 ميلادية ، والتي جاءت لرفع التهديد الصليبي عن مصر ، فتحالف الوزير الفاطمي " شاور "مع الصلبيين ، وعقد معهم معاهدة دفعت بموجبها مصر الجزية للجيوش الصليبية ، ثم تحالف معهم مرة أخرى حينما أراد صلاح الدين تحرير القدس .
الملك الصالح إسماعيل الأيوبي، كان يحكم دمشق وفلسطين ، فطمع في ضم مصر إلى ملكه ، وقد كان يحكمها أخوه الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وزوجته شجرة الدر ، طلب الملك الصالح إسماعيل من بعض ملوك الممالك الصليبية دعمه ، فاشترطوا عليه التنازل لهم عن القدس مقابل الدعم ؛ فوافق ، وأعطاهم فوق ذلك مدينة عسقلان ، وأباح للصليبين من الفرنجة شراء السلاح من أسواق دمشق ، ودارت معركة بين جيش إسماعيل ، وجيش مصر بقيادة الصالح نجم الدين أيوب ، كانت ساحة القتال عند مدينة غزة ، ولكنَّ المعركة أسفرت عن انتصار الملك الصالح نجم الدين أيوب على جيش إسماعيل والجيوش الصليبية ، فأما الجييوش الصليبية ، ففرت هاربة إلى مدنها مخلفة وراءها ثلاثين ألف قتيل ، بينما فرَّ إسماعيل بمن بقي معه من فلول جيشه الممزق ، أما الملك الصالح نجم الدين أيوب فواصل تقدمه إلى مدينة القدس وحررها ، وظلت القدس عربية حتى احتُلَّت مرة أخرى من قبل اليهود ، تم لهم ذلك بعد وفاة صلاح الدين ، وقد أخبرنا التاريخ عن غضب سلطان العلماء العز بن عبد السلام لهذه الخيانات ، ولما سأل تجار السلاح بدمشق : هل تبيعون السلاح للصليبيين ؟! فذكروا أنه ليس لهم مورد غير تجارة السلاح ! صعد سلطان العلماء - العز بن عبد السلام - منبر الجامع الأموي يوم الجمعة وأفتى بتحريم بيع السلاح للأعداء ، ولم يدع للسطان يومها كما هي العادة ، بل دعا عليه في عبارة واضحة قال فيها : " اللهم أبرم لهذه الأمة إبرام رشد يُعَزُّ فيه أولياؤك ، ويُذَلُّ فيه أعداؤك ، ويُعمَلُ فيه بطاعتك ، ويُنهَى فيه عن معصيتك " والمصلون بمن فيهم تجار السلاح يهدرون خلف سلطان العلماء بقولهم " آمين "، ولم يأبه العز بن عبد السلام بعزل السلطان له عن الخطابة ، فاعتقله السلطان واعتقل معه الفقيه المالكي - أبا عمر بن الجاجب - ثم أفرج عن العز وحُدِّدَتْ إقامتُه ببيته ، ومنعه من لقاء أحد سوى الطبيب والحلاق ، ومن الخروج إلا لصلاة الجمعة أو الحمام ؛ فقرر الرحيل مع ابن الحاجب إلى مصر ، واعتقله السلطان ثانية بالقدس ، وظل معتقلا فيها حتى حرره جيش الملك الكامل ، وهو زاحف لتحرير دمشق والشام من حكم الخيانة الممالئ للصليبيين – فذهب العز إلى مصر وعاش آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، ومحرضا على قتال الصليبيين والتتار في ظل حكم الأيوبيين والمماليك ، فكان أن توَّجَه التاريخ الإسلامي ولقَّبَه بلقب سلطان العلماء ، بينما ذهبت الخيانة ورموزها إلى مزبلة التاريخ .
المعلم يعقوب حنا في زمن الحملة الفرنسية ، وقد أعلن نابليون بونابرت - وهو في طريقه من مرسليا إلى الإسكندرية لغزو مصر والشرق - أنه سيجند عشرين ألفا من أبناء الأقليات المسيحية ؛ ليكونوا أعوانا له على بناء امبراطوريته الاستعمارية ، ونجحت الحملة في إيقاع قطاعات من الأقباط الأرثوذكس في شراك الخيانة ، فألف المعلم " يعقوب حنا " الذى يسميه الجبرتي " يعقوب اللعين " فيقول الجبرتي : " أن يفعل بالمسلمين ما يشاء فتطاول النصارى من القبط ونصارى الشوام على المسلمين بالسب والضرب ، ونالوا منهم أغراضهم ، وأظهروا حقدهم ، ولم يبقوا للصلح مكانا ، كما صرحوا بانقضاء ملة المسلمين و أيام الموحدين " ويصف الجبرتي استفزاز النصارى واليهود للمسلمين تحت حماية حراب الفرنسيين فيقول : "فترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والأروام واليهود ، فركبوا الخيول وتقلدوا السيوف بسبب خدمتهم للفرنسيين ، ومشوا بالخيل ، وتلفظوا بفاحش القول ، واستذلوا المسلمين مع عدم اعتبارهم للدين ، إلى غير ذلك مما لا يحيط به الحساب ، ولا يسطر في كتاب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم " وقد احتفل النصارى بانتصارات " بونابرت " على أهل غزة وكما يقول الجبرتي : " فأظهر النصارى الفرح والسرور في الأسواق والدور ، وألوموا في بيوتهم الولايم ، وغيروا الملابس والعمايم ، وتجمعوا للهو والخلاعة ، وزادوا في الشناعة " ويذكر أن الحملة الفرنسية قتلت " سبع " الشعب المصري ، ما يقدر بحوالي ثلاثمائة ألف من شعب كان تعداده أقل من ثلاثة ملايين آنذاك .
التاريخ لا يرحم ، وهو أقسى ما يكون مع أولئك الذين خانوا أممهم ، وتسببوا في خذلانها ، وتآمروا لإلحاق الضرر بها .
إن هؤلاء يتمتعون بذلك الخلق الرذيل الذي يدل على ضعف الإيمان ووضاعة النفس ، ومن يمتلك هذه الصفات ، يكون بمثابة نبتة شيطانية ، أو - إن شئت فقل - : " جذور في مهب الريح " وّإذا كان الأمر كذلك فيكف يستقيم الظل و العود أعوج ؟!
Email: saeedibrahimmohamed@yahoo.com