د.أحمد كلحي المطارات وعقود الاستثمار الأجنبي -الفرص والتحديات الثلاثاء 14 يناير 2025 -08:20 تعتبر المطارات ذات أهمية استراتيجية بالغة للتنمية الاقتصادية في مصر، ويُعد مطار القاهرة الدولي ثاني أكبر مطار في أفريقيا بعد مطار جوهانسبرج في جنوب أفريقيا، وتعمل الدولة نحو جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الطيران المدني مما يعزز من قدراتها التنافسية على جذب شركات الطيران الدولية والعالمية. لتضاهي أكبر المطارات في العالم، خصوصًا أن مصر حباها الله بموقع جغرافي مميز يجعلها ملتقى طرق القارات الثلاثة (أوروبا وآسيا وأفريقيا) ومركزًا استراتيجيًا للتجارة العالمية، الأمر الذي يستلزم تعزيز الشراكات الاستراتيجية وإبرام العقود مع شركات طيران أجنبية، كشركة فيتشي الفرنسية التي تدير 44 مطارًا في فرنسا والبرتغال والمملكة المتحدة والسويد واليابان، وشركة TAV التركية، وشركة إيناس الأسبانية التي تدير 46 مطارًا في 4 قارات، وشركة فرابورت إيه جي الألمانية التي سبق لها إدارة مطار القاهرة الدولي لمدة 9 سنوات خلال الفترة ( 2005 - 2015). والتعاقد مع هذه الشركات الأجنبية يهدف بالأساس الي الاستفادة مما تملكه من تقنيات متقدمة تكنولوجيًا في عالم الطيران، وتقديم القدرات والمهارات الإدارية والفنية لبناء وتطوير صالات الركاب وتوسيع المدارج وزيادة عدد الممرات والترامك وزيادة السعة التشغيلية لمباني الركاب وإقامة سلسلة من الفنادق بحرم المطار وإقامة مدن المطارات والتي تتضمن خدمات مالية وطبية وسياحية وترفيهية، وتحديث أنظمة الأمان، مما يجعل المطار أكثر قدرة على استيعاب المزيد من الرحلات الجوية والركاب، ويُعظم من عوائده ويعزز من جاذبيته للمسافرين. وبعقود الاستثمار الأجنبي يُمكن تطوير الخدمات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والتي تتيح للمطارات فرصة تطبيق أحدث التقنيات الرقمية في تقديم خدمات الركاب والشحن من خلال الاستثمار في تقنيات التسجيل الذاتي أو إدارة الرحلات باستخدام البيانات الكبيرة، وتحسين تجارب العملاء عبر التطبيقات المحمولة. التي تساعد المطارات في تسريع الإجراءات وتقليل أوقات الانتظار، مما يسهم في تقليل التأخيرات وتحسين تنسيق الرحلات وبذلك سيكون هناك طموح لدراسة إمكانية تنفيذ مشرع Airport City أسوة بالمطارات العالمية كمطار ميونخ بألمانيا ومطار هيثرو بالمملكة المتحدة ومطار سيدني بأستراليا ومطار ساو باولو بالبرازيل. وبعقود الاستثمار الأجنبي يُمكن تحسين أنظمة اللوجستيات داخل المطارات مما يحقق موردًا كبيرًا للعملات الأجنبية، من خلال تطبيق أنظمة تكنولوجية متطورة لتحسين تتبع الشحنات وإدارتها، وتعزيز قدرة المطارات على التعامل مع شحنات أكبر وأكثر تنوعًا، الأمر الذي يعزز من التنافسية خصوصًا في أسواق الشحن العالمية، ويساهم في تعزيز مكانة المطار كمركز رئيسي في شبكة الطيران العالمية. ويتجسد الاستثمار الأجنبي المباشر في إنشاء مشروع المطار أو توسيعه أو الاشتراك في إدارته بأي وسيلة بهدف إنشاء علاقات اقتصادية أو استمرارها بين صاحب المال والمشروع، وفي هذا الشأن استحدث المشرع المصري في شأن الاستثمار القانون رقم 72 لسنة 2017 والذي تسري أحكامه على الاستثمار المحلي والأجنبي أيًا كان حجمه، حيث نصت المادة الأولى منه على تعريف الاستثمار بأنه " استخدام المال لإنشاء مشروع أو توسيعه أو تطويره أو تمويله أو تملكه أو إدارته بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للبلاد". وتعني عقود الاستثمار في قطاع الطيران الاتفاق المكتوب بين الدولة (رئيس مجلس الوزراء ـ وزير الطيران المدني) أو أحد أجهزتها أو مشروعاتها الاقتصادية (رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للمطارات ـ رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران) وبين شركة أجنبية، تلتزم بمقتضاها الأخيرة بنقل قيم اقتصادية إليها لاستغلالها في مشروعات على أرضها بهدف تحقيق ربح لأطراف العقد. وأعرض فيما يلي النماذج المختلفة من عقود الاستثمار في قطاع الطيران: عقود البوت (B.O.T) Building operate transfer: وتعد عقود البوت (B.O.T) من أهم عقود الأشغال العامة في ميدان المعاملة الاقتصادية الدولية، باعتبارها وسيلة للتنمية الاقتصادية التي لا تعتمد على التمويل من ميزانية الدولة ولا ترهقها بالبحث عن قروض خارجية وترفع عن الدولة حرج التماس المساعدات والمنح الخارجية والمقرونة دائمًا بشروط سياسية واقتصادية. ويقصد بها العقود التي يتم بمقتضاها تسليم الدولة للمستثمر الأجنبي قطعة من الأرض لإقامة مشروع من مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة عليها، وفقًا لشروط ومواصفات محددة سلفًا بين الدولة والمستثمر الأجنبي، ويتحمل المستثمر كافة أعباء البناء والتشغيل ويكون للمستثمر الحق في الحصول على إيرادات تشغيل المشروع لمدة زمنية محددة يتم الاتفاق عليها في عقد البوت وتختلف من مشروع لآخر وتطبيقاً لما تقدم فقد لجأت الحكومة المصرية إلى إبرام العديد من العقود بنظام B.O.T وذلك لتنفيذ خططها التنموية الاقتصادية، حيث تعاقدت مع الشركة الألمانية A.B.B لإنشاء وتشغيل وإعادة تسليم مطار الفرافرة والواحات البحرية بنظام B.O.T في إطار تنفيذ الخطة القومية لإنشاء المطارات الخاصة؛ وعقود (BOT) لها تعبيرات متعددة واشتق منها عشرين مفهومًا وتسمى عقود (BOT FAMILY ) وهي عبارة عن مجموعة من النظم التي تستخدم في تنفيذ وإنشاء المشروعات وأهمها :عقد البناء والتملك والتشغيل (BOOT) ـ عقد البناء والتأجير ونقل الملكية BLT))ـ عقد التصميم والبناء والتمويل والتشغيل ((DBFO ـ عقد البناء والتأجير والتشغيل ونقل الملكية BOLT)). عقد نقل تكنولوجيا الطائرات: هو عقد يسمح للدول النامية بالحصول على التقنية الحديثة من الدول المتقدمة كتقنيات الاستشعار وإنترنت الأشياء IOT لمراقبة حالة الطائرات وتنبيه الفرق الفنية بأي مشكلات محتملة، أو تقنيات الطائرات ذاتية التحكم (طائرات بدون طيار)، أو نقل تكنولوجيا الاستدامة كالاستثمار في طائرات كهربائية أو تعمل بالهيدروجين لتقليل الانبعاثات الكربونية، أو استخدام تقنيات الذكاء الأصطناعي في أنظمة الحجز وإدارة العملاء لتحسين سرعة وكفاءة خدمات الركاب. عقد المساعدة الفنية في قطاع الطيران: وهو اتفاق يبرم بين شركة طيران متخصصة والدولة، بمقتضاه تلتزم الشركة بتقديم الدعم الفني والخدمات التقنية لضمان تشغيل الطائرات بأمان وكفاءة ، وتلتزم الشركة ـ كذلك ـ بتزويد الدولة بالفنيين اللازمين لتدريب الأفراد المعنيين على تشغيل كافة الأجهزة والآلات المستخدمة في المطارات وإصلاحها وصيانتها، أو تدريبهم على إدارتها بالأساليب الفنية. وأخيرًا يبقى التساؤل المطروح ما هي التحديات التي تواجه عقود الاستثمار في قطاع الطيران؟ تعد عقود الاستثمار الأجنبي في قطاع الطيران من العقود ذات الطبيعة الخاصة، حيث تجمع بين الأبعاد الاقتصادية والقانونية والسيادية، مما يتطلب صياغة دقيقة ومتوازنة لكافة البنود الحاكمة للعقد، كتحديد الأطراف المتعاقدة المشاركة في إبرام العقد، وبيان دقيق لموضوع العقد، وتحديد مدة الاستثمار وإدراج شروط تمديد المدة أو إنهاء العقد المبكر وفقًا لاتفاق الطرفين، وتحديد مقدار رأس المال الذي سيستثمره الطرف الأجنبي. وإدراج كافة حقوق المستثمر كالحق في الادارة والتشغيل والحصول على الأرباح المتفق عليها، وكالحق في عدم مصادرة أو تأميم المشروع الاستثماري أو نزع ملكيته، وإدراج كافة التزامات المستثمر كالالتزام بتنفيذ المشروع في الوقت المحدد في العقد، والالتزام بالمعايير البيئية والتنظيمية، وتدريب العمالة المحلية وخلق فرص العمل. والامتثال لكافة القوانين المحلية والدولية الخاصة بالاستثمار الأجنبي كاتفاقية واشنطون لتسوية منازعات الاستثمار المبرمة عام 1965، ولكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالطيران كاتفاقية شيكاغو 1944، وكذلك تضمين العقد بند يعالج القوة القاهرة والأزمات الاقتصادية الطارئة وبند التفاوض وإعادة النظر، وبنود التوازن الاقتصادي التي تحد من جمود وصلابة العقد. وأخيرًا إدراج بنود فض وتسوية المنازعات كاللجوء إلى التحكيم أو المحاكم المحلية، وتحديد القانون الواجب التطبيق بمنتهى الدقة والحذر، حيث إن التهاون في صياغة العقود وعدم الاهتمام بتفصيلاتها الدقيقة يجعل الطرف الوطني خاسرًا للنزاع لحظة توقيع العقد، في حين تثق الشركات الأجنبية في قدرتها على الحصول على أحكام لصالحها بحسن صياغتها للبنود المتعلقة بها، فضلًا عن تميزها في إعداد ملفاتها وتجهيز مستنداتها. الخلاصة: ينبغي أن يتولى هذه الصياغة خبراء قانون ذوي تخصص وخبرة ودراية كافية بالقواعد القانونية الواجبة التطبيق على العقد، ومدركين لطبيعة النظام الدولي للاستثمار بجميع أسراره ومعالمه، ولا ريب أن نقطة البداية تتمثل في حسن اختيار المستشار القانوني، لما يقوم به من دور بارز ومحوري في صياغة العقد وإبداء الرأي في الإشكاليات القانونية المتعلقة بتنفيذ بنوده وإنهائه، فما نصبو إليه هو تجنب المنازعات في مجال الاستثمار من حيث الأصل، جذب الاستثمارات الأجنبية وتوظيفها لصالح التنمية الاقتصادية الشاملة.