المعلومة أصبحت من أهم السلع في العالم ولا نكون مبالغين إن قولنا إن قوة الدول أصبحت الآن تقاس بمقدار ما تملك هذه الدول من معلومات ومن قدرتها على إنتاج وصناعة المعلومة وطرق استخدامها ولا تقاس بجيوشها أو قوتها أو ثروتها .
ونتيجة التطور الهائل في مجال تكنولوجيا الاتصالات واقترانها بتكنولوجيا الحاسب الآلي ، نتج عنه ميلاد عالم جديد هو عالم الاتصال والمعلومات، الذي أثمر لنا ما يعرف بالإنترنت ومؤخرا بالذكاء الاصطناعي.
ولما كان الإنترنت أصبح هو مصدر المعلومات وأصبح متاح للجميع بضغطة زر واحدة تفتح لك نافذة على العالم بكل مستحدثاته ومتناقضاته وإيجابياته وسلبياته لكن وللأسف الشديد، وبالذات فى الآونة الأخيرة أصبح الإنترنت هو المتهم البرئ لكل ما يحدث من سلبيات في حياتنا اليومية نظرا للاستخدمات السلبية وغير المعقولة دائما وغير المشروعة أحيانا.
فالاستخدام السيئ لعالم الإنترنت وما قدمته لنا تكنولوجيا المعلومات أفرز لنا نوع جديد من الجرائم المستحدثة أصبحت أيسر مما كان وانتهاك حرمات الآخرين وخصوصياتهم متاحة وجرائم التلصص على الدول والهيئات والبنوك تدار فى الغرف المغلقة بدون أي مجهود والاحتيال عن طريق استخدام البطاقات الإئتمانية للمواطنين أصبح وسيلة وغاية للكسب السريع وغيرها من الجرائم الخاصه بالإباحية وصفقات المخدرات وغسل الأموال الذى خلفها الاستخدام السيئ للإنترنت وأصبحت تلك الجرائم وما يتمتعون به من ذكاء يجعلهم فى منئ عن ملاحقة أجهزة العدالة.
فبعدما كانت شبكة الإنترنت قاصرة على البحث العلمي،أصبحت الشبكة مجالا خصبا لنقل المعلومات الخطرة والهامة والحيوية سواء فى مجال المخابرات أو المجال الأمني أو الاقتصادى ومما يزيد من خطورة هذه الفئة من الجرائم إنها تتم كما سلف القول بمعرفة مجرمين أذكياء وبواسطة جهاز يتسم بقدرات خارقة في التخزين والمعالجة والاسترجاع والقدرة على تنفيذ التعليمات بسرعة خارقة تفوق أي نطاق تقليدى وبدون أي أخطاء.
ومما يجعلها أيضا أكثر خطورة أن تلك الجرائم تكون عابرة للحدود نظرا للطابع الدولي لشبكة الإنترنت، وغالبا ما ترتب تلك الجرائم عن بعد وهو ما يجعل من الصعوبة جمع الأدلة المادية على ارتكابها ونسبتها لإلى شخص معين نظرًا تواجد المجرم - عادة - على مسرح الجريمة.
فقد يرتكب المجرم جريمته في دولة ما وتتحقق نتيجة العمل الإجرامي فى دولة أخرى وربما يشاركة في ارتكابها شخص يقيم في دولة أخرى ومن هنا تكمن صعوبه الملاحقة القضائية لاصطدامها بمبدأ السيادة الدولية للدول.
الأمر الذى أصبح معه ضرورة تكاتف المجتمع الدولي لمواجهة هذه الأنماط من الجريمة على قدر تنوعها والتي قد تتجاوز الجرائم الفردية لتصبح جرائم ماسة بالأمن مثل الجرائم السياسية والعسكرية هذا بخلاف الجرائم الجنائية، التى تتخذ العديد من الأشكال التي توجه إلى شخص معين أو نحو الإضرار بالأمن القومى للدولة أو اقتصادها .
الأمر الذي تطلب تعاون الدول فيما بينها في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية ويتجلى هذا التعاون من خلال المجال الاتفاقى فى إبرام جملة من المعاهدات الدوليه من أجل الوقاية والحد من جرائم الإنترنت وكذلك التعاون القضائى من خلال المساعدة القضائية وتسليم المجرمين، وأن كان بالفعل تمثل هذا التعاون في العديد من الاتفاقات إلا أنه مازالت هذه الجرائم تحتاج إلى المزيد من الاتفاقات الملزمة والمستحدثة لتلاحق التطور الهائل والسريع في مجال تقنية المعلومات وغول الذكاء الاصطناعي، الذي لا يعرف حتى الآن إلى أي مدى يستطير، وخاصة أن التعاون القضائى الدولى يعتمد على دعم جهود الشرطة الدولية في الملاحقة والقبض وتسليم المجرمين وكذلك تطوير المساعدة القضائية في المواد الجنائية لجعلها آلة فاعلة في تعزيز التعاون القضائي.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يجب على الدول تطوير تشريعاتها أو سن قوانين جديده تواكب هذا التطور المتلاحق والمتنامي للجرائم الأكثر دقة، وإن كانت مصر من أوائل الدول التى تنبهت لهذا الخطر فقد كان سباقا فى معالجة بعض صور الاعتداء على البيانات سواء كانت شخصية أو حكومية .
وعلى سبيل المثال دون الحصر - لبعض الجرائم التي ترتكب فى حق الشخص في حياته الخاصة والتي يدخل في نطاق ومفهوم الجرائم المعلوماتية الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات لحماية الحق في الحياة الخاصة، وهناك مجموعة أخرى من الأفعال المكونة للركن المادى للجرائم المعلوماتية أوردها المشرع فى قوانين أخرى تتصل لحماية الحق في سرية المعلومات مثل حماية السريه الوارد في قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004، وحماية الحق في سرية المعلومات غير المفصح عنها في قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 .
وأخيرًا القانون رقم 175 لسنة 2018 قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات هذا بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة 31 من الدستورالمصرى " أن الفضاء المعلوماتي جزء أساسی من منظومة الاقتصاد والأمن القومى، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليه على النحو الذي ينظمه القوانين. "
ويأتي قبل ذلك سواء كان تشريعًا أو قضاءً وسواء على مستوى الدولى أو المحلى دور الأسرة جنبًا إلى جنب كافة المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية في التوعية، وبيان مخاطر تلك الجرائم على المجتمع بصفة عامة وعلى الفرد بصفة خاصة، الأمر الذي يعمل على تحجيم تلك الجرائم والوقاية من مخاطرها الحالة والمحتملة.